بقلم : الدكتور مرشد معشوق الخزنوي

مقدمات بين يدي الإسراء والمعراج

مر بنا منذ أيام ، يوم اعتاد الناس فيه على التذكير بمناسبة عظيمة والاحتفال به ، حدث كبير ومعجزة عظيمة وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم ، هذا الحدث ، وهذه المعجزة هي معجزتي الاسراء والمعراج .

 ويقصد بالاسراء تلك الرحلة العجيبة التي بدأت من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى بالقدس ليلاً ، والتي اشار الله تعالى اليها بقوله (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الاسراء : الاية1] ، وسميت هذه الرحلة بالإسراء ، لأن الاسراء معناه السفر والمشي ليلاً .

والمعجزة الثانية هو المعراج ، ويقصد بالمعراج ما تلا هذه الرحلة من عروج في طباق السموات حتى الوصول الى مستوى تنقطع عنده علوم الخلائق ولا يعرف كنهه الا الله .

وجميل قبل الخوض في الحديث عن هذه المناسبة أن اقدم بثلاثة مقدمات :

اولاً : ما المعجزة : يعرف في الشرع أن الأمر الخارق للعادة له ثلاثة احوال إما معجزة او كرامة او آية وتسمى أحيانا خارقة .

اما المعجزة فأمرٌ خارق للعادة [ حاجة غير طبيعية وعلى غير المعتاد ]، يُظهِرُه الله على يدِ نبي أو رسول ، [ يظهره الله وليس النبي والرسول من  يقول انا سأفعل المعجزة ] ، بدليل لو كانت المعجزة من عند الرسول لما خاف منها ، اسمع لما اراد المولى سبحانه أن يظهر المعجزة على يد سيدنا موسى عليه السلام قال : (وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ  يَا مُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ) [النمل : الآية 10] ، فلو كان يعلم لما خاف منها الكليم موسى عليه السلام .

 والمعجزات  خاصة بالأنبياء والمرسلين ، مثل سيدنا المسيح عيسى عليه السلام قال المولى عنه : (وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ  وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ  إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) [آل عمران : الآية 49 ]، وعصى موسى الذي تحول الى ثعبان وما جرى لنبينا عليه الصلاة والسلام من المعجزات التي افرد العلماء لها الابحاث والكتب الطوال .

إذا فالمعجزة هي امر خارق للعادة يظهر الله على يد نبي او رسول تكريمًا له، ونُصرَةً لدينِ الله، وعلانية ويتحدى بها المكابرون .

واما الكرامة فهي أمرٌ خارق للعادة، يُظهِرُه الله تعالى على يدِ عبد صالح وولِيٍّ من أوليائِه، تكريمًا له، ولا يتحدى بها .

وأما الآية وتسمى الخارقة واحيانا الاستدراج ، فهي أمر خارق للعادة يظهر على يد مُشَعْوِذ أو كاهن أو ساحر او فاسق ، مثل فرعون قال الله تعالى : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءَايَةً ) [ يونس : الآية 92 ]  .

وحتى يتبين لك الكرامة من الآية كان أئمتنا  يقولون : إذا رأيت الرجل يطير في الهواء ويمشي على الماء فلا تقل عنها كرامة حتى تنظر الى عمله، إن كانت موافقة للشرع فهي كرامة وإلا فهي استدراج ، لأن القاعدة هي أن [ الإستقامة عين الكرامة ] فالاستقامة على شرع الله وسنة النبي المطهرة هي من اعظم الكرامة التي يكرم بها الله عباده .

  لم يقم دليل معلوم لا على شهرها ، ولا على عشرها ، ولا على عينها ، بل النقول منقطعة مختلفة ، ليس فيها ما يقطع به

ثانياً: تأريخ وتحقيق: لقد اعتاد كثير المسلمون أن يحتفلوا بذكرى الإسراء والمعراج في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب، اعتقاداً منهم أن الإسراء كان في ليلة السابع والعشرين، والتحقيق أن العلماء قد اختلفوا اختلافاً كبيراً في يوم الإسراء، بل في شهر الإسراء، بل في سنة الإسراء!! قال جماعة ومنهم الامان النووي أن الاسراء كان قبل الهجرة بسنة وفي السابع والعشرين من شهر ربيع الاول ، وقال ابن عبدالبر انها في شهر رجب ، وقيل رمضان ، وقيل في شوال ، وقيل في ذي القعدة .

الخلاصة : فإن اليوم والشهر والعام للإسراء لا يعلمه إلا الله، والتحديد للإسراء بيوم وشهر ضرب من المجازفة والتخمين، ولا دليل عليه من كلام الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( أنه لم يقم دليل معلوم لا على شهرها ، ولا على عشرها ، ولا على عينها ، بل النقول منقطعة مختلفة ، ليس فيها ما يقطع به . نقله ابن القيم عنه في الزاد 1 / 57 

ثالثاً : الغيبيات تعامل بالنقل لا العقل : ولا نريد الخوص والشرح طويلا في هذا الجانب ، فقد سبق وان فصلنا فيه عند الحديث عن الجن ، وقلنا أن العقل في كل ما يصدر عنه من احكام متأثر بما تمده به الحواس ، والحواس انما تستمد معلوماتها من عالم الحسن الذي يحيط بها ، ولا تستطيع بحال من الاحوال أن تتجاوز هذا العالم الى ما وراءه لتستمد منه شيئاً ، فالأذن لا تستطيع أن تسمع إلا ما يصك مسمعها من الاصوات ، والعين لا تستطيع ان ترى إلا ما يقابلها من المناظر ، والانف لا يستطيع أن يشم إلا ما يمربه من الروائح ، واللسان لا تستطيع ان تتذوق الا ما تلامس حليماته من طعوم ، واليد لا تستطيع ان تمسك الا ما يقع في قبضتها من الاجسام ، وهكذا كل حاسة من الحواس لا تستطيع ان تدرك الا ما يقع في دائرة حسها من الاشياء ، ثم هي ترسل هذه المدركات الى العقل ليفسره بانه صوت أو منظر أو رائحة أو جسم ، ويحكم عليه بأنه لطيف أو كثيف ، جميل أو دميم ، طيب أو خبيث ، صغير أو كبير ، وهكذا الى آخر الصفات .

بعد هذه المقدمة نستطيع ان نخرج بمقدمة مفادها : أن العقل لا يمكن أن يفهم إلا ما تمده به الحواس ، لأن الحواس هي روافده التي تمده بالمعلومات ، وما دامت هذه الروافد عاجزة عن استمداد مدركاتها من عالم آخر غير عالم الحس ، فلا يمكن أن تمد العقل بعلم من غير عالمها ، عند ذلك لا يبقى للعقل الا الخبر الصادق ، ومن طريق السمع وحده لا من طريق غيره ، وذلك بأن يتلقى الخبر عنه من صادق آمين له قدرة على الاتصال بماوراء المادة ، أي بعالم الغيب وهذا لا يتأتى إلا للأنبياء والمرسلين وهم صادقون فيما يقولون ، أمناء فيما ينقلون ويبلغون من هذه الاخبار ، لانهم يتلقونها عن طريق الوحي الالهي عن الله ، وهو اصدق القائلين الذي وحده يحيط بعالم الغيب ، فالبنسبة لمن يؤمن بصدق الرسل ليس لديه مجال للشك في صدق الحقيقة التي يخبر بها الرسل عن عالم الغيب ، وليس للعقل حينئذ أن يقول في هذا المجال شيئاً لأنه خارج عن نطاق ادراكه ، وبالتالي فليس للعقل الا التصديق بما ورد عن الانبياء من عالم الغيب الذي قلنا ان العقل يسجد عاجزاً في محرابه ومستسلماً لفيوضاته ، ولعل ابا بكر كان يعبر عن هذا الموقف حين أتاه المشركون قائلين يا أبا بكر هل لك إلى صاحبك بخبر يزعم انه أسرى به الليلة الى بيت المقدس وجاء قبل ان يصبح ؟  قال ابو بكر معلماً إياهم الطريق الصحيح في التعامل مع هذه القضايا، أو قال ذلك قالوا نعم . قال : لئن كان قال ذلك فقد صدق إنى لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك أصدقه فى خبر السماء .

بعد هذه المقدمات الثلاث نقول ولماذا الإسراء؟ وللجواب على هذا السؤال: قصة! إنها قصة طفل نشأ في مكة في بيئة تصنع الحجارة بأيديها، وتسجد لها من دون الله جل وعلا! بل كان الواحد منهم يصنع إلهه من خشب، أو من نحاس، أو حتى من حلوى أو من تمر! فإذا ما عبث الجوع ببطنه قام ليدس هذا الإله الرخيص في جوفه ليذهب عن نفسه شدة الجوع! في هذه البيئة نشأ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فاحتقر هذه الأصنام، وأشفق على أصحاب هذه العقول، فترك هذه البيئة الشركية وانطلق بعيداً إلى قمة جبل النور..

إلى غار حراء ، ليقضى ليله ونهاره في التأمل والتفكر والتدبر والتضرع ، وفى ليلة كريمة مباركة يتنزل جبريل أمين وحي السماء لأول مرة على المصطفى صلى الله عليه وسلم على قمة جبل النور، ليضم الحبيب المصطفى ضمة شديدة وهو يقول له: (اقرأ) والحبيب يقول: ما أنا بقارئ، وجبريل يقول: (اقرأ) والمصطفى يقول: ما أنا بقارئ، وفى الثالثة: غطَّه حتى بلغ منه الجهد، وقال للحبيب: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:1-5] وانطلق الحبيب ليبلغ دعوة الله ويخرج الناس من عبادة العباد الى عبادة رب العباد ، فيصده قومه ويكذبوه ويعذبوه هو واصحابه ، ويحصار هو ومن امن به وناصره في شعب ابي طالب ثلاث سنين ، ويضطر اضحابه للهجرة فراراً بدينهم الى الحبشة مرتين .

شخص الرسول لم يتجاوز ايذائه عن كلمة نابية هنا ، وشتيمة هناك او على سب ولم يكن أحد يتجرأ على جسد رسول الله لا احتراما لشخص النبي كنبي ، وإنما خوفاً من عشيرته وأهله واسترضاء لعمه ابي طالب ، فلما مات ابو طالب في العام العاشر من مبعثه صلى الله عليه وسلم يفقد السند الخارجي الذي كان يدفع عنه أذى قريش فيتجرأ عليه الناس .

وفي ذات العام توفيت زوجته خديجة بنت خويلد التي كانت تسانده الداخلي ، فيحزن النبي صلى الله عليه وسلم عليهما كثيراً حتى سمي بعام الحزن .

فيخرج الرسول بعد أن تألم كثير من قومه ليبحث عن ارض جديدة ينشر فيها دعوته ، فيتوجه النبي صلى الله عليه وسلم مع غلامه زيد بن الحارثة  الى الطائف مشياً على الاقدام ليعلمنا دروساً مهمة ، ليعلمنا أنه لا بد أن تصبر على ايمانك ودعوتك ، هل تظن أن الطريق مفروشة لك بالورود ، أما علمت ان الطريق مليئ بالابتلاء والامتحان وعليك بالصبر ،  ويعلمنا ردسناً آخر إذا اجدبت الارض التي انت فيها فابحث عن منطلقات جديدة للدعوة .

وصل النبي الى الطائف ، ودخل على سادتها ، وكانوا ثلاثة ، فدعاهم الى الاسلام ، وطلب منهم نصرته ، وليته ما فعل ، ردوا عليه رداً قبيحاً زاد من ألمه ، قال احدهم له أما وجد الله غيرك ليرسله ، وقال الثاني امزق ثياب الكعبة إن كان الله قد أرسلك ، وقال الثالث لا اكلمك فإن كنت نبيا فأنت أعظم من أن اكلمك ، وإن كنت كاذباً فأنت أهون من أن أرد عليك ، فلما لم يستجيبوا لدعوته ، طلب منهم النبي شيئاً واحداً وهو أن لا يخبروا قريشاً بذلك ، لكنهم فعلوا شيئين اثنين .

الأول أنهم بنذالة اخبروا قريشاً .

الثاني اخرجوا غلمانهم وعبيدهم ورموه بالحجارة

خرج النبي وقدماه مدمتان حتى وصل الى بستان فجلس فيه كسير البال جزين القلب وبدأ يشكو همه وحزنه الى ربه ، وسريعا جاءت الاجابة من الله في اربعة اشياء كل واحدة اقوى من الاخرى .

الاولى : رقق له قلب صاحبي البستان وارسلوا بعنقود عنب مع غلام لهم اسمه عداس .

الثانية : اسلام عداس بعد أن تناول النبي العنب ببسم الله سأله النبي من اين انت قال من نينوى قال بلد العبد الصالح يونس بن متى .

الثالثة : ارسل الله له مع جبريل ملك الجبال لو شئت يا محمد لأطبق عليهم الاخشبين وهما جبيل ابي قبيس والاحمر .

الرابعة : يرسل اليه الله طائفة من الجن فيقرأ عليهم النبي القرآن واسلموا وخرجوا يدعون قومهم ( يا مومنا اجيبوا داعي الله ) .

ثم دخل النبي مكة في جوار المطعم بن عدي ، وفي ليلة والنبي صلى الله عليه وسلم نائم عند ابنة عمه ام هانئ بنت ابي طالب وإذا بمنادي السماء يدعو الحبيب لزيارة السماء ، سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً ، الى اين يا رسول الله الى المسجد الاقصى ثم ماذا ، ثم الى ما بعد سدرة المنتهى ، الاسراء رحلة ارضية والمعراج رحلة سماوية ، الاسراء بين المسجد الحرام الى المسجد الاقصى والمسافة بينهما 850 ميلاً قطعها النبي صلى الله عليه وسلم في أقل من غمضة عين ، أما المعراج فهي من المسجد الاقصى الى ما بعد سدرة المنتهى حيث لا يعلم هذه المسافة احد إلا واحد هو الواحد ربنا .

الرسول صلى الله عليه وسلم الآن يستعد للزيارة ، وهو نائم في بيت أم هانئ يأتيه جبريل ليشق البيت ليأخذ المصطفى صلى الله عليه وسلم من بيت أم هانئ إلى الحجر في بيت الله الحرام ليشق عن صدره الشريف ويغسله بماء زمزم كما في الحديث الصحيح ، وأنتم تعلمون أنه قد شق صدره قبل ذلك وهو غلام صغير حينما كان في ديار بنى سعد عند مرضعته حليمة رضى الله عنها ..

وقد احضر له الأمين جبريل براقاً ، والبراق بنص الحديث الصحيح دابة فوق الحمار ودون البغل ، يضع حَافِرَهُ عند منتهى طرفه ، وقد جاء في وصفه ان لونه ابيض ، وقيل البراق من البرق والبرق ضوء وسرعة الضوء رهيبة هذا هو البراق..

وهنا وقفة لنأخذ الدروس من البراق اولى الدروس التي نتعلمها من البراق أن الاسراء والمعراج كان بالروح والجسد معاً والدليل أن الروح لا تركب وأن الجسد الميت لا يركب لكن الحي المجتمع الروح والجسد هو الذي يركب .

والدرس الثاني:  من دروس البراق الأخذ بالاسباب ، إن من قدرة الله أن يأمر النبي بأن يكون في المسجد الاقصى بكن فيكون ، لكن الله اراد أن يعلمنا من خلال البراق الاخذ بالاسباب دون التوكل عليها .

ويركب النبي صلى الله عليه وسلم البراق ، وبين غمضة عين وانتباهتها كان الحبيب امام باب المسجد الاقصى وهذا هو عنصر الاعجاز فى رحلة الاسراء الأرضية ، إنه الزمن ، انطلق النبى من مكة إلى المسجد الأقصى فى زمن قليل وهذا هو الذى أنكره المشركون فى مكة .

قالوا نضرب لها أكباد الابل شهراً من مكة إلى بلاد الشام وأنت تقول بأنك انطلقت من مكة إلى المسجد الأقصى ثم إلى السماوات العلى وعُدت فى جزء من الليل

وفي اثناء الرحلة من مكة الى الاقصى تهب على النبي صلى الله عليه وسلم رائحة زكية وطيبة فسأل عنها قيل أنها رائحة ماشطة فرعون واولادها

فقد روى احمد والحاكم وابن حبان الطبراني عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال : ” لما كانت الليلة التي أسري بي فيها وجدت رائحة طيبة ، فقلت : ما هذه الرائحة الطيبة يا جبريل ؟ قال : هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها ، قلت : ما شأنها ؟ قال : بينا هي تمشط ابنة فرعون إذ سقط المشط من يدها ، فقالت : بسم الله ، فقالت ابنة فرعون : أبي ؟ فقالت : لا ، ولكن ربي وربك ورب أبيك الله ، قالت : وإن لك ربا غير أبي ؟ قالت : نعم ، قالت : فأعلمه ذلك ؟ قالت : نعم ، فأعلمته فدعا بها ، فقال : يا فلانة ، ألك رب غيري ؟ قالت : نعم ، ربي وربك الله ، فأمر بنقرة من نحاس فأحميت ، ثم أخذ أولادها يلقون فيها واحدا واحدا ، فقالت : إن لي إليك حاجة ، قال : وما هي ؟ قالت : أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد فتدفنها جميعا ، قال : لك ذلك علينا ، فلم يزل أولادها يلقون في النقرة حتى انتهى إلى ابن لها رضيع ، فكأنها تقاعست من أجله ، فقال لها : يا أمه ، اقتحمي ؛ فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ” .

قال الآلوسي: “وقد جمع من ـ تكلم في المهد ـ فبلغوا أحد عشر نفساً ، وقد نظمهم الجلال السيوطي فقال:

تكلم في المهد النبي ( محمد ) … ( ويحيى وعيسى والخليل ومريم )

ومبرى ( جريج ) ثم ( شاهد يوسف ) … ( وطفل لذي الأخدود ) يرويه مسلم

( وطفل ) عليه مر بالأمة التي … يقال لها تزني ولا تتكلم

وماشطة في عهد فرعون ( طفلها ) … وفي زمن الهادي ( المبارك ) يختم

وهكذا ايها السادة تنتهي رحلة الإسراء لتبدأ رحلة المعراج الى السماء السابعة الذي سيكون موضوع حديثنا في اللقاء القادم بإذن الله تعالى .

أقول قولي هذا واستغفر الله .