بقلم : الدكتور مرشد معشوق الخزنوي
القرآن لا يحارب اوربا بل يحميها ، فهل انتم منتهون
منذ العقد السادس من القرن العشرين ، وأوروبا تشهد موجات متعاقبة من الهجرة من الدول الإسلامية لأسباب اقتصادية او سياسية او انسانية ، وبما أن الدين الاسلامي ذو ثقافة تعايشية عالمية ، تجد دمجا كبيرا بين الاسلام كدين وثقافات الشعوب المتعددة والمتنوعة المعتنقة للإسلام الى درجة الذوبان ، بحيث يصعب على المسلم البسيط الذي لم يتخصص في دراسة الاسلام أن يفرق بين ما هو من تعاليم الدين الاسلامي وبين ما هو من المورث الشعبي لقبيلته او قوميته
وعندما يمموا نحو اوربا مهاجرين ومغتربين حملوا معهم الارث كاملاً ، بدينه ومورثه الشعبي ، وطبيعي أن ينتاب الموروث الشعبي المحمول الخطأ والزلل ، ولأنه ينظر الى ذلك بقدسية الاسلام، فهو لا يفرق بين الاسلام وبين الموروث الشعبي ،
وهذا ما شكل له عائقا للاندماج في الحياة الجديدة ، وعدم قدرة على التواصل بشكل سليم مع السكان الاصليين ، ولجهله بتعاليم ومقاصد الإسلام وأحكامه تراه يُمارس أخطاءً باسم الدين ، وباسم الالتزام بتعاليم الدين، والدين من ذلك كله براء ، كقضية العنف ، والإرهاب ، وختان الانثى ، وحدود الحجاب ، وحقوق المرأة وغير ذلك ، وتطبيقه من خلال بعض التصرفات الشاذة والغير مسؤولة من أفراد مسلمين، فكل فئة غادرت بلادها محملة بثقافتها، وجاءت كذلك بمشاكلها التي غطاها بغطاء الدين
هذه الحالة حدى بالسكان الاصلية لهذه البلاد الى اعتبار الأقلية المسلمة هي المسؤولة الأولى عن كل ما يحدث من تخريب و إرهاب ، وترى أنها تشكل تهديدًا خطيرًا على المجتمع الغربي، فهي مجموعة من القيم التي يستهجنها المجتمع الغربي ، وللأسف الشديد أن كثيرين في الغرب يظن أن هذه تعاليماً إسلامية، وهي ليست إلا موروثات وتقاليد اجتماعية لذلك المسلم المهاجر كل حسب المجتمع الذي هاجر منه، وهي ليست من الإسلام بشيء ، لذلك صار واجبا على الجالية المسلمة أن توحد جهودها، وتتخلص من تلك العادات التي ليست من الإسلام، ويركزوا على النقاط الإيجابية في المجتمع الذي يعيشون فيه، ومن ثمة دمج ثقافتهم الإسلامية بهذا المجتمع، ليقدموا صيغة طيبة ،ونموذجًا حضاريًا عن الإسلام فهم رسل للإسلام في هذه البلاد
وعلى المسلم عموماً والمهاجر منه خصوصاً أن يعلم كما علمه الاسلام أن الإنسان بين واجب وحق، بين ما له وما عليه، فمن عرف واجبه وحقه فهو عادل، ومن عرف حقه وتجاهل واجبه فهو غافل، ومن عرف واجبه وتجاهل حقه فهو فاضل، ومن واجباتنا نحن المسلمين في النرويج [ على اعتبار اقامتي فيها والأمر يعم جميع البلاد ] أقول من واجباتنا بالإضافة الى تديننا والتزامنا بإسلامنا وأخلاق نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام وكل ذلك حق وضروري وواجب لا بد منه ، لكن في نفس الوقت فإن الاسلام يدعونا الى التعرف على وجباتنا تجاه مكرمين اثنين والعمل به ، هذان المكرمان هما الانسان النرويجي [ الاوربي عموما] والدولة النرويجية [ و الاوربية عموماً]
اما واجب المسلم تجاه المواطن النرويجي [ او الاوربي ] فو أمران إثنان
الأمر الأول : هو الاحترام والتكريم ، فالقرآن الكريم وضع قواعد واضحة للعائلة البشرية، وأعلن الإسلام أن الناس جميعاً خلقوا من نفس واحدة، وهذا يعني وحدة الأصل الإنساني، وينظر الإسلام لهم على أنهم سواسية كأسنان المشط ، كلهم له الحق في العيش والكرامة دون استثناء أو تمييز، فهم أبناء العائلة الإنسانية قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ [الإسراء: 70]، وما اختلاف البشرية في ألوانها، وأجناسها، ولغاتها، إلا آية من الآيات الدالة على عظيم قدرة الخالق ، كما قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾ [الروم: 22]، وهذا الاختلاف ليس مَدْعاة للتنافر والتناكُر، بل هو سبب للتعارف والتعاضد والتعاون على الخير والبِرِّ والتقوى، كما تحدث عنه القرآن الكريم: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]
ولذلك يعلمنا القرآن احترام الانسان لإنسانيته وبغض النظر عن معتقده ، بل لأنها نفس بشرية تستحق التكريم والاحترام ، ويظهر هذا جلياً عندما مرت جنازة من أمام النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقام واقفا احتراما لها ، فقال بعض الحاضرين: يا رسول الله إنها جنازة يهودي، فنظر النبي محمد عليه الصلاة والسلام إليهم وقال: (أوَليست نفساً). فاذا كان احترام الانسان قيمة عظيمة وهوميت ، فكيف به وهو حي اعايشه! ، وذلك لا يتأتي إلا بحسن الخلق ، والإسلام يأمر أن يتحلى المسلم بالخلق الحسن والتعامل الجميل حتى مع غير المسلمين فالنبي محمد عليه الصلاة والسلام يقول : { أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا } رواه ابو داود وابن حبان عن ابي هريرة ، و قال أيضاً : {أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخيارهم خيارهم لنسائهم } رواه احمد عن ابي هريرة
الأمر الثاني : وهو ايضا تجاه الإنسان النرويجي [ الاوربي عموما] هي ضمان حقوقه وعدم الاعتداء على نفسه وماله ،فالقران يعلمنا أن لا نأكل الحق وأن لا نبخس الناس أشياءهم، و يأمر المسلمين أن يؤدوا الحقوق إلى أربابها، ويأمرهم بالعدل حتى مع غير المؤمنين برسالة الإسلام يقول المولى عز وجل في محكم تنزيله : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8]
كما أن الاسلام يأمر بوجوب الوفاء بالعهود والعقود، وأن الغدر محرم ، ومن لم يلتزم بعهده ومن ينقض هذا العهد من المسلمين ويؤذي الآخرين فقد رضي أن يكون في جماعة النفاق
قال عليه الصلاة والسلام : { أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ} أخرجه البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمرو
والمولى سبحانه يأمرنا بذلك فيقول: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل:91] ، وقال سبحانه: {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [ الإسراء:34]
والنبي محمد عليه الصلاة والسلام كان خير من يتعامل بحسن الخلق مع الناس حتى مع جيرانه من اليهود الذين كان يسكنون بجوار منزله ولذلك كان يقول عليه الصلاة والسلام : ( أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ ) رواه الترمذي ،كما أن الاسلام يأمر أن لاينكر صنائع المعروف و أن نعترف بالجميل والمعروف، أو الثناء عليه وعلى فاعله بالخير حتى ولوكان صاحبه غير مسلم ، ولا يخفى ولا ينكر أن الكثير منا كان في بلاده خائفا جائعا طريدا ملاحقا فأجارتنا هذه الدولة ومنحتنا حقوقا لم نحلم بها في دولنا الاساسية وهذا يحثنا على عدم انكار هذا المعروف وخير ما نرد به عليهم جميلهم إن لم نكن مصادر عطاء وخيرا في دولتهم فلما نكون مصادر للعنف والقلق
وبناءً على ما تقدم فإننا نصل إلى النظرة الاسلامية الصحيحة وهي: أن من يدخل إلى هذه البلاد عن طريق طلب اللجوء أو التأشيرة سفر فإنه يوجد بينه وبين أهل هذه البلاد عهد أمان يحرم عليه ترويعهم أو الاعتداء على أنفسهم أو أموالهم أو أي شيء من حرماتهم، وأيما امرئٍ لا يراعي ذلك ولا يحافظ عليه فهو غادر بالعهد والأمان، وواقع في كبيرة من الكبائر، والاسلام منه براء
وأما واجبنا تجاه الدولة النرويجية [ الأوربية عموماً ] وترابها ، والتي يصح اطلاق الوطن عليها تباعا أمران ايضا : تحصين ودفاع، ووفاء وبناء
أما التحصين والدفاع : فأن نكون مدافعين عن دولة النرويج باعتبارها وطنا لنا . فلئن كانت إماطة الأذى عن الطريق منزلة كبيرة من منازل الإيمان كما يقول النبي محمد عليه الصلاة والسلام فإن دفع الأذى ودفع العدو عن بلادنا من أعظم شعب الإيمان ، فكونوا أيها المسلمون في وطنكم الجديد خير مدافعين عن الوطن ومحصنين له ، لأن واجبكم نحو الوطن هو التحصين والدفاع، دافعوا عن أوطانكم، دافعوا عن النرويج
الواجب الثاني نحو الوطن النرويجي : الوفاء والبناء، لا يكفي أن ندافع عن الوطن أمام المعتدي الآثم، ولا يكفي أن تكون أعيينا ساهرة على الارهاب والترويع ، لا يكفي أن نميط الأذى عن الطريق، ولكن علينا واجب آخر:، بأن نساهم في بناء أوطاننا وبناء الوطن عبادة بل هو من أشرف العبادات ، إن ساهمنا في جعل الصناعة تنمو في بلدنا فنحن نعبد الله ، إن ساهمنا في تطور مدارسنا فنحن نعبد الله، إن طورنا كل ما يمكن أن يسمى فرعاً أو جزءاً من الوطن فنحن نعبد الله، لأن واجبنا نحو الوطن بناء، نريد أن نبني أوطاننا، نريد أن نجعل من أوطاننا أوطاناً رفيعة عالية متينة مبنية قائمة على أرجلها وسوقها قوية عزيزة أبية ، نريد أن يتنبه أبناء الأوطان هنا وفي كل مكان إلى هذا
و ينبغي علينا جميعا أن نحرص على بلادنا (النرويج بالنسبة لنا) أنها بلادنا التي نحبها ونسعى لخدمتها وصالحها العام.، وننميها وندافع عنها
وعلى أبناء الأقلية المسلمة أن يجتهد ويمتلك من المؤهلات التي تعينه ليلعب دورا بارزا في خدمة المجتمع وبنائه وأن لا يوقفه عن طموحه هذا أي شيء ، وأن ينظر بثقة إلى المستقبل ولايتردد في المطالبة بحقه وفرصته المتكافئة مع كل مكونات المجتمع طالما أنه مؤهل لتلك الفرصة ،وينبغي أن ندافع عن هذا الحق بالوسائل التي يتيحها لنا القانون وهي كثيرة فنحن في دولة القانون والحريات والديمقراطية التي يقع مبدأ تكافؤ الفرص على رأس أولوياتها ، كما نقول للجهات المسؤلة في هذا البلد إن الحديث عن الاندماج والعيش في داخل المجتمع لايمكن أن يتأتى إلا من خلال شعور المواطن أي مواطن مهما كان لونه أو أصله أو ثقافته او دينه أنه محترم في هذا البلد ، وأن حقوقه محفوظة يتساوى بها الجميع ، فذلك هو مفتاح الاندماج الحقيقي وتلك هي الخطوة المطلوبة والتي يحتاج كل مواطن أن يلمسها بشكل واضح
وليحفظ الله النرويج